لا شيء يثلج صدري أكثر من رؤية الأطفال و هم يلعبون, يركضون و يضحكون في فرح, أنظر إليهم فيتراءى مستقبلهم واضحا و مفعما بالأمل , و أرى
كل الفرص التي أمامهم و جميع الأشياء الرائعة التي سوف يحققونها و الأشخاص العظام
الذين سوف يكونون, فأشعر بقلبي يقفز من صدري لأنني أنا سوف أدمر كل ذلك! و بعد سنوات سأقف في نفس المكان و أشاهدهم
و هم كالكلاب في الدرك الأسفل يتناهشون, و
عندها سوف أضحك...
و لهذا فقد خرجت من نوبة اكتئابي عندما وقعت عيناي على هابيل و قابيل, كانا يلعبان بالتراب و قد أمسك
هابيل بغصن جاف و أخذ يخط به على الأرض محدثا زوبعة من الغبار.
إذا أردت أن تحطم رجلا ليس عليك سوى أن تدمر عائلته, و هذا ما سوف
افعله بك يا آدم.
كانت الخطوة الأولى التي قمت بها هي المراقبة, وضعت الصبيين تحت عيني
و درست طبيعة ما يقومان به من أفعال و تصرفات. هابيل كان أقوى جسدا و أشد بنية, و
لكن قابيل كان أذكى و أسرع بديهة. و كانت حياة تلك العائلة تسير كجدول رقراق إلى أن
حانت اللحظة, و أمر الله الأخوين بتقريب قربان..
و الآن دعوني أتوقف هنا قليلا, إذ توجد مشكلة في روايتكم للقصة,
فأنتم تقولون أن سبب القربان هو
فتاة! نعم, فقابيل أراد أن يتزوج أخته و لكن آدم أمره أن يتزوج من أخت هابيل, فرفض قابيل أن تكون أخته
الأجمل من نصيب هابيل, و لهذا رفع آدم مظلمتهم إلى الله, الذي طلب منهما قربانا
فتقبله من هابيل و رفضه من قابيل, مما كان يعني زواج هابيل من أخت قابيل.
ليست المشكلة هنا فقط, ففي قصة آدم التي رويتها لكم من قبل , قلتم أن
حواء هي من زينت لآدم و أغرته بشجرة الخلد, حتى أن بعضكم يقول أن ادم لما جاؤه ملك
الموت نظر إلى أمكم حواء و صاح فيها إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك.
هل هو تكريم للمرأة! حتى تكون كل حادثة عظيمة أو حرب في سببها راجعة
لعينين بنيتين و واسعتين كاللوز! في البداية لم أفهم, و لكنني اليوم فقط و بعد آلاف السنين فهمت أن
السبب هو اللوم! فالمرأة هي التي أخرجتكم من الجنة و لولاها لكنتم الآن تسرحون و
تمرحون في حدائقها الغناء, و المرأة هي التي أشعلت الحرب بين هابيل و قابيل فارتكب
قابيل فعلته.
و هنا أود أن أسجل إعجابي الشديد بطريقتكم في التفكير, فالغلطة غلطة
المرأة دائما, الضلع الأعوج, و لهذا فهي تستحق دائما التوبيخ, الإهانة و الضرب! و لكن هذا لا يعني أن تتوقفوا! لا ! استمروا, و
اسمحوا لي أن أضيف أن النساء هم في كل شي اصل البلاء!
فلنعد إلى القصة, جنّ جنون قابيل بعد أن رفض الله قربانه, فهمست له: ستبقى خاسرا أيها الفاشل
و مهما فعلت لن يتقبل منك. انتم تعرفون في
هكذا مواقف أفضل ما يمكن أن أقدمه هو مزيج من الشعور بالرثاء للذات و الحقد, مما
سيدفع الشخص إلى الجنون و الغضب.
غضب قابيل و هدد هابيل, في تلك اللحظة لم أكن أعرف ما هي الخطوة
التالية, و لكنني أردت شيئا مختلفا و فعلا لا توبة فيه و لا رجوع, فانا لا أريد أن
يتكرر الذي حدث مع ادم و يحدث مع أطفاله. و كنت أفكر في ذلك عندما فعلها قابيل....
اقتلاع الروح! نعم! إنها الجريمة المثالية التي لا توبة فيها و لا
عودة....
قتل قابيل هابيل...........
و بعد أن توقف النبض في عروق هابيل, استيقظ قابيل فجأة. أمسكه من
كتفيه, هزه بعنف و هو يناديه أن استيقظ يا أخي, ثارت زوبعة من التراب فتذكر ألعاب
الطفولة و العصا التي كان هابيل يرسم بها على الأرض, حضنه ثم بكى و بكى حتى هدأ الغبار و تخضل التراب بالدمع.
حمله على ظهره و ظل يمشي به إلى أن رأى غرابا يدفن آخر ففعل مثله.
كانت الشمس قد بدأت بالغروب
عندما رأت حواء آدم يمشي متعبا فهرعت إليه
- هل وجدتهما؟
- لا
و هبت نفحة من هواء ساخن فلفحت وجه العجوزين و عندها ظهر قابيل يمشي كطفل و الدمع لم يجف من
مقلتيه, و عندما التقت نظراتهم الثلاثة عرف آدم بما حدث, أطلقت أمكم صرخة قصيرة, و
قبل أن يخفض ادم بصره إلى الارض رآني, و كنت أقف على التلة القريبة ناظرا إليهم
جميعا و أنا أضحك و أضحك و أضحك....!!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق