الاثنين، 18 يونيو 2012

قابيل و هابيل



لا شيء يثلج صدري أكثر من رؤية الأطفال و هم  يلعبون, يركضون و يضحكون في فرح, أنظر إليهم  فيتراءى مستقبلهم واضحا و مفعما بالأمل , و أرى كل الفرص التي أمامهم و جميع الأشياء الرائعة التي سوف يحققونها و الأشخاص العظام الذين سوف يكونون, فأشعر بقلبي يقفز من صدري  لأنني أنا سوف أدمر كل  ذلك! و بعد سنوات سأقف في نفس المكان و أشاهدهم و هم كالكلاب في الدرك الأسفل يتناهشون,  و عندها سوف أضحك...
و لهذا فقد خرجت من نوبة اكتئابي عندما وقعت عيناي على  هابيل و قابيل, كانا يلعبان بالتراب و قد أمسك هابيل بغصن جاف و أخذ يخط به على الأرض محدثا زوبعة من الغبار.
إذا أردت أن تحطم رجلا ليس عليك سوى أن تدمر عائلته, و هذا ما سوف افعله بك يا  آدم.  
كانت الخطوة الأولى التي قمت بها هي المراقبة, وضعت الصبيين تحت عيني و درست طبيعة ما يقومان به من أفعال و تصرفات. هابيل كان أقوى جسدا و أشد بنية, و لكن قابيل كان أذكى و أسرع بديهة. و كانت حياة تلك العائلة تسير كجدول رقراق إلى أن حانت اللحظة, و أمر الله الأخوين بتقريب قربان..
و الآن دعوني أتوقف هنا قليلا, إذ توجد مشكلة في روايتكم  للقصة,  فأنتم تقولون أن سبب القربان هو  فتاة! نعم, فقابيل أراد أن يتزوج أخته و لكن آدم أمره  أن يتزوج من أخت هابيل, فرفض قابيل أن تكون أخته الأجمل من نصيب هابيل, و لهذا رفع آدم مظلمتهم إلى الله, الذي طلب منهما قربانا فتقبله من هابيل و رفضه من قابيل, مما كان يعني زواج هابيل من أخت قابيل.
ليست المشكلة هنا فقط, ففي قصة آدم التي رويتها لكم من قبل , قلتم أن حواء هي من زينت لآدم و أغرته بشجرة الخلد, حتى أن بعضكم يقول أن ادم لما جاؤه ملك الموت نظر إلى أمكم حواء و صاح فيها إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك.
هل هو تكريم للمرأة! حتى تكون كل حادثة عظيمة أو حرب في سببها راجعة لعينين بنيتين و واسعتين كاللوز! في البداية  لم أفهم,  و لكنني اليوم فقط و بعد آلاف السنين فهمت أن السبب هو اللوم! فالمرأة هي التي أخرجتكم من الجنة و لولاها لكنتم الآن تسرحون و تمرحون في حدائقها الغناء, و المرأة هي التي أشعلت الحرب بين هابيل و قابيل فارتكب قابيل فعلته.
و هنا أود أن أسجل إعجابي الشديد بطريقتكم في التفكير, فالغلطة غلطة المرأة دائما, الضلع الأعوج, و لهذا فهي تستحق دائما التوبيخ, الإهانة و الضرب!  و لكن هذا لا يعني أن تتوقفوا! لا ! استمروا, و اسمحوا لي أن أضيف أن النساء هم في كل شي اصل البلاء!
فلنعد إلى القصة, جنّ جنون قابيل بعد أن رفض  الله قربانه, فهمست له: ستبقى خاسرا أيها الفاشل  و مهما فعلت لن يتقبل منك. انتم تعرفون في هكذا مواقف أفضل ما يمكن أن أقدمه هو مزيج من الشعور بالرثاء للذات و الحقد, مما سيدفع الشخص إلى الجنون و الغضب.
غضب قابيل و هدد هابيل, في تلك اللحظة لم أكن أعرف ما هي الخطوة التالية, و لكنني أردت شيئا مختلفا و فعلا لا توبة فيه و لا رجوع, فانا لا أريد أن يتكرر الذي حدث مع ادم و يحدث مع أطفاله. و كنت أفكر في ذلك عندما فعلها قابيل....
اقتلاع الروح! نعم! إنها الجريمة المثالية التي لا توبة فيها و لا عودة....
قتل قابيل هابيل...........
و بعد أن توقف النبض في عروق هابيل, استيقظ قابيل فجأة. أمسكه من كتفيه, هزه بعنف و هو يناديه أن استيقظ يا أخي, ثارت زوبعة من التراب فتذكر ألعاب الطفولة و العصا التي كان هابيل يرسم بها على الأرض, حضنه ثم بكى  و بكى حتى هدأ الغبار و تخضل التراب بالدمع.
حمله على ظهره و ظل يمشي به إلى أن رأى غرابا يدفن آخر ففعل مثله.
كانت الشمس قد بدأت بالغروب  عندما رأت حواء آدم يمشي متعبا فهرعت إليه
        - هل وجدتهما؟
        - لا
و هبت نفحة من هواء ساخن فلفحت وجه العجوزين  و عندها ظهر قابيل يمشي كطفل و الدمع لم يجف من مقلتيه, و عندما التقت نظراتهم الثلاثة عرف آدم بما حدث, أطلقت أمكم صرخة قصيرة, و قبل أن يخفض ادم بصره إلى الارض رآني, و كنت أقف على التلة القريبة ناظرا إليهم جميعا و  أنا  أضحك و أضحك و أضحك....!!!!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق