الأحد، 24 يونيو 2012

الصنم الأول




مات آدم, و عندما حدث ذلك صُدم الجميع, و كأنهم لم يتوقعوا ذلك أبدا. بكى الرجال و النساء, أما الأطفال فكانوا يتراكضون غير مدركين لما جرى. كانت جنازة آدم حدثا مفصليا في فهمي لعقلية أبنائه. أنزلوه في القبر و  أهالوا عليه التراب ثم تعانقوا و هم يذرفون الدمع, ذكروا أخلاقه و صفاته, مضوا يحكون القصص عن حبه لأبنائه و تفانيه لزوجته.و بعد أشهر و عندما حصل نزاع بين رجلين على حدود مزرعتهما  تطور إلى قتال صرخ رجل كان يمر هناك بالصدفة :  
         -  لو كان آدم حيا لما حدث ذلك....
و لكن هل هذا صحيح! لقد قتل قابيل هابيل و لم يستطع آدم فعل شيء! و أغويته و أخرجته من الجنة مع أنه كان قد تلقى تحذيرا واضحا من الله بشأني, و لكنه لم يستطع مقاومة وسوستي.
و لكن ردة فعلكم على وفاة أبيكم دفعتني إلى الاستنتاج الآتي: أنتم تحنون إلى الماضي, إلى  الأيام الخوالي التي ذقتم فيها طعم السعادة و شعرتم بالأمان  و أنتم بجانب من تحبون, فأنتم  لا تقدرون قيمة اللحظة في وقتها حتى إذا ما انقضت و تحولت إلى ركام من الذكريات انتفضتم و نبشتموها باكين تبقون  على ذكراها  طوال سنين.
هذه السنين مرت من دون أن أسجل اختراقا ملموسا واحدا في معركتي معكم. صحيح أنني نجحت في إيقاع أبناء آدم في بعض المعاصي و لكنها كانت ككرات ثلجية صغيرة تتحطم عند تعثرها بأول حجر ضئيل تصادفه. كان الجو باردا جدا و أنا أقف على قمة الجبل أشكل الثلج إلى كرات صغيرة و أقذفها إلى الأعلى فتعود لي قطرات من الماء. تابعت  لعبتي السخيفة إلى آن انزلقت من يدي كرة ثلجية صغيرة كنت أقذفها إلى السماء فتدحرجت على المنحدر  الجليدي , لتكبر و تكبر و تغدو كرة عملاقة حطمت في لحظات شجرة كانت موجودة في أسفل الوادي.
        - رائع...
إذن كل ما يجب عليَّ فعله هو دفع تلك المعاصي الصغيرة حتى تكبر و تتضخم لتغدو ورما سرطانيا يقضي عليكم جميعا. اجتهدت في عملي إذ كنت وقتها أعمل وحدي و سوف تمضي فترة طويلة قبل آن أبدأ التجنيد. كان منكم الصالحون الذين يدعون الناس إلى الخير و ينهونهم عن الفواحش و المنكرات. و لكنهم ماتوا واحدا اثر آخر, حزن الناس جميعا بمن فيهم  العصاة الذين  كانوا يكنون نوعا من الاحترام لأولئك المصلحين الذين لم يملوا من تقديم النصيحة و الإرشاد إلى الصواب.
كنت أنتظر أن تتحول كرات الثلج الصغيرة إلى القنبلة الثلجية العظمى : الشرك! فالشرك هو جائزتي الكبرى التي تغلق أبواب التوبة و تجعل لحياتي معنى و غاية.   
    -  ألا تذكّرك عصاه به؟..... همست في أذن سيد القوم و هو يدفن ذلك الشيخ الصالح الذي أفنى حياته في الدعوة و الإصلاح
    -  نعم, هذا صحيح....... تمتم السيد و رفع العصا أمام قومه
    - سنضع عصاه في نفس المكان الذي طالما وقف فيه خطيبا و مرشدا إلى الله و محذرا من الشيطان....
    - عندي حجر يشبه وجهه الوقور, سأحضره أيضا.....صرخ رجل
تجمع الرجال في مجلسهم و وضعوا العصا و الحجر ثم جلسوا يسبحون الله و يترحمون على الشيخ
    - ليعلم الشيطان أنه حتى لو غادرنا شيخنا الجليل, فلن يستطيع أن يفتننا عن الحق...!!
صعدت إلى جبل الجليد و تابعت لعبة كرات الثلج, مرت السنون و مات الرجال و جاء أبناؤهم ثم أحفادهم,  و كنت أمشي جاعلا الجبل خلف ظهري عندما لمحتهم من بعيد يسجدون لصنمهم الأول,فسمعت قرقعة الجبل الثلجي و هو ينهار مرة واحدة.... 



الاثنين، 18 يونيو 2012

قابيل و هابيل



لا شيء يثلج صدري أكثر من رؤية الأطفال و هم  يلعبون, يركضون و يضحكون في فرح, أنظر إليهم  فيتراءى مستقبلهم واضحا و مفعما بالأمل , و أرى كل الفرص التي أمامهم و جميع الأشياء الرائعة التي سوف يحققونها و الأشخاص العظام الذين سوف يكونون, فأشعر بقلبي يقفز من صدري  لأنني أنا سوف أدمر كل  ذلك! و بعد سنوات سأقف في نفس المكان و أشاهدهم و هم كالكلاب في الدرك الأسفل يتناهشون,  و عندها سوف أضحك...
و لهذا فقد خرجت من نوبة اكتئابي عندما وقعت عيناي على  هابيل و قابيل, كانا يلعبان بالتراب و قد أمسك هابيل بغصن جاف و أخذ يخط به على الأرض محدثا زوبعة من الغبار.
إذا أردت أن تحطم رجلا ليس عليك سوى أن تدمر عائلته, و هذا ما سوف افعله بك يا  آدم.  
كانت الخطوة الأولى التي قمت بها هي المراقبة, وضعت الصبيين تحت عيني و درست طبيعة ما يقومان به من أفعال و تصرفات. هابيل كان أقوى جسدا و أشد بنية, و لكن قابيل كان أذكى و أسرع بديهة. و كانت حياة تلك العائلة تسير كجدول رقراق إلى أن حانت اللحظة, و أمر الله الأخوين بتقريب قربان..
و الآن دعوني أتوقف هنا قليلا, إذ توجد مشكلة في روايتكم  للقصة,  فأنتم تقولون أن سبب القربان هو  فتاة! نعم, فقابيل أراد أن يتزوج أخته و لكن آدم أمره  أن يتزوج من أخت هابيل, فرفض قابيل أن تكون أخته الأجمل من نصيب هابيل, و لهذا رفع آدم مظلمتهم إلى الله, الذي طلب منهما قربانا فتقبله من هابيل و رفضه من قابيل, مما كان يعني زواج هابيل من أخت قابيل.
ليست المشكلة هنا فقط, ففي قصة آدم التي رويتها لكم من قبل , قلتم أن حواء هي من زينت لآدم و أغرته بشجرة الخلد, حتى أن بعضكم يقول أن ادم لما جاؤه ملك الموت نظر إلى أمكم حواء و صاح فيها إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك.
هل هو تكريم للمرأة! حتى تكون كل حادثة عظيمة أو حرب في سببها راجعة لعينين بنيتين و واسعتين كاللوز! في البداية  لم أفهم,  و لكنني اليوم فقط و بعد آلاف السنين فهمت أن السبب هو اللوم! فالمرأة هي التي أخرجتكم من الجنة و لولاها لكنتم الآن تسرحون و تمرحون في حدائقها الغناء, و المرأة هي التي أشعلت الحرب بين هابيل و قابيل فارتكب قابيل فعلته.
و هنا أود أن أسجل إعجابي الشديد بطريقتكم في التفكير, فالغلطة غلطة المرأة دائما, الضلع الأعوج, و لهذا فهي تستحق دائما التوبيخ, الإهانة و الضرب!  و لكن هذا لا يعني أن تتوقفوا! لا ! استمروا, و اسمحوا لي أن أضيف أن النساء هم في كل شي اصل البلاء!
فلنعد إلى القصة, جنّ جنون قابيل بعد أن رفض  الله قربانه, فهمست له: ستبقى خاسرا أيها الفاشل  و مهما فعلت لن يتقبل منك. انتم تعرفون في هكذا مواقف أفضل ما يمكن أن أقدمه هو مزيج من الشعور بالرثاء للذات و الحقد, مما سيدفع الشخص إلى الجنون و الغضب.
غضب قابيل و هدد هابيل, في تلك اللحظة لم أكن أعرف ما هي الخطوة التالية, و لكنني أردت شيئا مختلفا و فعلا لا توبة فيه و لا رجوع, فانا لا أريد أن يتكرر الذي حدث مع ادم و يحدث مع أطفاله. و كنت أفكر في ذلك عندما فعلها قابيل....
اقتلاع الروح! نعم! إنها الجريمة المثالية التي لا توبة فيها و لا عودة....
قتل قابيل هابيل...........
و بعد أن توقف النبض في عروق هابيل, استيقظ قابيل فجأة. أمسكه من كتفيه, هزه بعنف و هو يناديه أن استيقظ يا أخي, ثارت زوبعة من التراب فتذكر ألعاب الطفولة و العصا التي كان هابيل يرسم بها على الأرض, حضنه ثم بكى  و بكى حتى هدأ الغبار و تخضل التراب بالدمع.
حمله على ظهره و ظل يمشي به إلى أن رأى غرابا يدفن آخر ففعل مثله.
كانت الشمس قد بدأت بالغروب  عندما رأت حواء آدم يمشي متعبا فهرعت إليه
        - هل وجدتهما؟
        - لا
و هبت نفحة من هواء ساخن فلفحت وجه العجوزين  و عندها ظهر قابيل يمشي كطفل و الدمع لم يجف من مقلتيه, و عندما التقت نظراتهم الثلاثة عرف آدم بما حدث, أطلقت أمكم صرخة قصيرة, و قبل أن يخفض ادم بصره إلى الارض رآني, و كنت أقف على التلة القريبة ناظرا إليهم جميعا و  أنا  أضحك و أضحك و أضحك....!!!!


الأربعاء، 13 يونيو 2012

قصتي مع آدم





إنها القصة الأولى, أليست كذلك! أول مواجهة لي مع آدم, بعد أن طُردت أنا من رحمة الله, و سكن أبوكم الجنة. لقد فكرت طويلا و أنا أسير وحدي ذليلا كجرو صغير  تائه بلا مأوى, هل هذه النهاية؟! لا! يجب أن أنتقم من آدم و أثبت أنه مجرد كائن ضعيف  لا يحسن التدبير و لا حتى التفكير.
و لكن كيف؟ كيف سأقنعه بالعصيان؟ من الصعب أن تزين لرجل خلقه الله و نفخ فيه من روحه  ثم أسكنه جنته هو  و زوجه  أن يتمرد ! و لكن تجربتي الأولى مع آدم علمتني الدرس الأول: إياك أن  تفقد الأمل!  و بالصبر  ستجد الطريقة المناسبة للإغواء.
علمت أن الله قد أمره بالابتعاد عن الشجرة, الأمر الذي دفعني للتساؤل: لماذا؟ لا بد أن آدم نفسه يسأل ذات السؤال: لماذا؟ حسنا, الفضول قتل قطة! و سوف أستخدمه لأقضي به على آدم. اقتربت منه و هو يأكل طعامه في الجنة و همست له: هلمَّ إلى الشجرة, هنالك أمر ما خاص و مميز فيها, و إلا ما نهاك الله عن الاقتراب منها.
توقف ادم عن المضغ فبقيت اللقمة بين أسنانه و أخذ يفكر فيما قلت, و لكنه نفضني بسرعة و ألقى هذه الفكرة من رأسه ثم ابتلع طعامه.
تبا! سوف أحتاج إلى ما هو أقوى من فضول القطط حتى أغوي آدم! يجب أن أمشي! المشي يساعدني على التفكير و يعطيني القدرة على التركيز بشكل أفضل. طوال ساعتين من الزمن كان الهواء الساخن يدغدغ وجهي و أنا أسير في السرداب الحجري المؤدي الى كهف الحمم, و عندما أوشكت على الشعور بالتعب, سقطت تلك الجملة فوق لساني: كل ما له بداية, له نهاية, الموت!  سوف أستخدم هذه الحقيقة في دفعه الى الشجرة, حقيقة أنه كائن فانٍ سوف يموت في يوم من الايام مهما طال عمره و امتدت سنونه. أسرعت اليه فوجدته هذه المرة يمشي الهوينى في الجنة, همست اليه: آدم, سوف تموت! ارتعشت عينه و لم يبد أنه فهم تماما ما قلت , و لكن قلبه اضطرب. تركته لعدة أيام ثم عدت اليه فوجدت ان البذرة التي زرعتها قد أثمرت بما أردت: الخوف! أصبح آدم الان لقمة سائغة بين أنيابي لانه خاف من الموت. و الآن حان وقت الخطوة التالية, الى الشجرة!
آدم, هذه شجرة الخلد التي سوف تنقذك من الموت, و ما منعك الله منها الا لتبقى مخلوقا فانيا زائلا, انها فرصتك لتكون من الخالدين الذين يعيشون أبد الدهر, لتصبح الها مثل الله! هيا, إلى الشجرة.....
و فعلها آدم! كان منظرا رائعا و هو يحاول الاختباء كالفأر بعد أن بدت عورته. نعم, لقد انتصرت, لقد حطمت اسطورة هذا الطيني اللزج, فعوقب بالهبوط إلى منزلته الطبيعية التي يستحقها, التراب! حُكم على آدم  بالهبوط إلى الأرض, و التي كأنها كانت تناديه منذ خلُق أن تعال إلى أمك يا آدم حتى تحضنك و تعفر وجهك الصلصالي بغبارها القذر...
و كنت أذوق  حلاوة النصر في فمي عندما انقلبت فجأة إلى علقم, فقد أعطي ادم في هذه اللحظة ما هو أعظم: التوبة! أرسله  الله إلى الأرض لكنه أعطاه فرصة أخرى, نافذة ستبقى مفتوحة له  و لذريته إلى يوم الدين. يال بؤسك يا إبليس ! كم  أنت كئيب و فاشل! أين العدل؟! أُطرد أنا من الرحمة و يعطى آدم الحق في التراجع و البدء من جديد ليستقبله الله تائبا بينما تغلق أمامي أبواب السماء...
دخلت في نوبة حادة من الاكتئاب و اعتزلت في كهفي اجتر هزيمتي, حتى جاءت المرة الأولى التي أخرج فيها منذ زمن بعيد, و عندها  رأيتهما فأشرق قلبي من جديد و أدركت أن فرصتي قد حانت لحرق قلب آدم. حدث كل ذلك عندما رأيتهما يلعبان من بعيد, قابيل و هابيل.......






الاثنين، 11 يونيو 2012

توضيح




لا, إنها ليست قصصاً بوليسية! بل قصصٌ إبليسية! أي مشتقة من كلمة إبليس, و هو أنا! الشخص الذي طالما وصفتموه بأبشع الصفات, و هاجمتموه بأقذع الشتائم, و حملتموه كل ذنوبكم و أخطائكم, طوال هذه السنين, القرون! و أنا أسمعكم و اقرأ ما كتبتم و تكتبون : إبليس فعل هذا, إبليس وسوس لهذا , إبليس  زيّن  و  سوّل, إبليس و إبليس و إبليس...., و لكن أتعرفون ما المشكلة؟  المشكلة أنه ما من أحدٍ سألني أنا عن رأيي, لم يسجل أحدٌ روايتي للقصة, شهادتي  للواقعة, للحادثة, أغفلتموني و كأنني لم أكن موجوداً, و بدا هذا غريباً, فأنتم تذكرونني فقط كي تبرروا حدوث الخطأ, حتى  تزيلوا اللوم عن كاهلكم , تقدموا عذراً لأنفسكم و تناموا قريري العين مرتاحي الضمير!
الليلة الماضية فكرت, سألت نفسي هل أصبحت مهيض الجناح إلى هذا الحد؟  حتى يلعنني  الجميع  و يؤلفوا في خستي القصائد! و عندها اكتشفت أنني ساهمت في ذلك, طوال الوقت, عندما اكتفيت بالعمل و  ابتعدت عن الكلام, فأنا رجل أفعال  لا أقوال كما تعرفون ! كنت أضع الخطط و أنفذ المشاريع, و تناسيت أن أي عمل مهما كان عظيماً لا قيمة له بدون الكلمات التي تنصفه و تعطيه حقه, فاحتللتم أنتم المنابر و هاجمتموني بألسنتكم, و ليس بأفعالكم!
لهذا , اسمحوا لي أن أحدثكم اليوم, أروي لكم القصة من وجهة نظري المتواضعة, و أكلمكم مباشرة بلسان الصدق ناقلاً لكم حقيقة ما جرى بأمانة و موضوعية, و لكم في النهاية أن تفكروا و تحكموا, و لن أغضب, مهما كانت النتيجة التي ستتوصلون إليها, ففي النهاية أنتم عودتموني أن جلّ ما ستفعلونه حتى لو استشظتم غضباً و ضربتم الأرض بأقدامكم, هو القول و الصراخ و العويل!


التوقيع
المخلص دائماً و أبداً
إبليس