مات آدم,
و عندما حدث ذلك صُدم الجميع, و كأنهم لم يتوقعوا ذلك أبدا. بكى الرجال و النساء,
أما الأطفال فكانوا يتراكضون غير مدركين لما جرى. كانت جنازة آدم حدثا مفصليا في
فهمي لعقلية أبنائه. أنزلوه في القبر و
أهالوا عليه التراب ثم تعانقوا و هم يذرفون الدمع, ذكروا أخلاقه و صفاته, مضوا
يحكون القصص عن حبه لأبنائه و تفانيه لزوجته.و بعد أشهر و عندما حصل نزاع بين
رجلين على حدود مزرعتهما تطور إلى قتال
صرخ رجل كان يمر هناك بالصدفة :
-
لو كان آدم حيا لما حدث ذلك....
و لكن هل
هذا صحيح! لقد قتل قابيل هابيل و لم يستطع آدم فعل شيء! و أغويته و أخرجته من
الجنة مع أنه كان قد تلقى تحذيرا واضحا من الله بشأني, و لكنه لم يستطع مقاومة
وسوستي.
و لكن
ردة فعلكم على وفاة أبيكم دفعتني إلى الاستنتاج الآتي: أنتم تحنون إلى الماضي, إلى
الأيام الخوالي التي ذقتم فيها طعم
السعادة و شعرتم بالأمان و أنتم بجانب من
تحبون, فأنتم لا تقدرون قيمة اللحظة في
وقتها حتى إذا ما انقضت و تحولت إلى ركام من الذكريات انتفضتم و نبشتموها باكين
تبقون على ذكراها طوال سنين.
هذه
السنين مرت من دون أن أسجل اختراقا ملموسا واحدا في معركتي معكم. صحيح أنني نجحت
في إيقاع أبناء آدم في بعض المعاصي و لكنها كانت ككرات ثلجية صغيرة تتحطم عند
تعثرها بأول حجر ضئيل تصادفه. كان الجو باردا جدا و أنا أقف على قمة الجبل أشكل
الثلج إلى كرات صغيرة و أقذفها إلى الأعلى فتعود لي قطرات من الماء. تابعت لعبتي السخيفة إلى آن انزلقت من يدي كرة ثلجية صغيرة
كنت أقذفها إلى السماء فتدحرجت على المنحدر الجليدي , لتكبر و تكبر و تغدو كرة عملاقة حطمت
في لحظات شجرة كانت موجودة في أسفل الوادي.
- رائع...
إذن كل
ما يجب عليَّ فعله هو دفع تلك المعاصي الصغيرة حتى تكبر و تتضخم لتغدو ورما
سرطانيا يقضي عليكم جميعا. اجتهدت في عملي إذ كنت وقتها أعمل وحدي و سوف تمضي فترة
طويلة قبل آن أبدأ التجنيد. كان منكم الصالحون الذين يدعون الناس إلى الخير و
ينهونهم عن الفواحش و المنكرات. و لكنهم ماتوا واحدا اثر آخر, حزن الناس جميعا بمن
فيهم العصاة الذين كانوا يكنون نوعا من الاحترام لأولئك المصلحين
الذين لم يملوا من تقديم النصيحة و الإرشاد إلى الصواب.
كنت أنتظر
أن تتحول كرات الثلج الصغيرة إلى القنبلة الثلجية العظمى : الشرك! فالشرك هو جائزتي
الكبرى التي تغلق أبواب التوبة و تجعل لحياتي معنى و غاية.
- ألا
تذكّرك عصاه به؟..... همست في أذن سيد القوم و هو يدفن ذلك الشيخ الصالح الذي أفنى
حياته في الدعوة و الإصلاح
- نعم, هذا صحيح....... تمتم السيد و رفع العصا أمام
قومه
- سنضع
عصاه في نفس المكان الذي طالما وقف فيه خطيبا و مرشدا إلى الله و محذرا من
الشيطان....
- عندي
حجر يشبه وجهه الوقور, سأحضره أيضا.....صرخ رجل
تجمع
الرجال في مجلسهم و وضعوا العصا و الحجر ثم جلسوا يسبحون الله و يترحمون على الشيخ
- ليعلم
الشيطان أنه حتى لو غادرنا شيخنا الجليل, فلن يستطيع أن يفتننا عن الحق...!!
صعدت إلى
جبل الجليد و تابعت لعبة كرات الثلج, مرت السنون و مات الرجال و جاء أبناؤهم ثم أحفادهم, و كنت أمشي جاعلا الجبل خلف ظهري عندما لمحتهم من بعيد يسجدون لصنمهم الأول,فسمعت
قرقعة الجبل الثلجي و هو ينهار مرة واحدة....