الثلاثاء، 10 يوليو 2012

الطوفان



  -  إن نوحا يبني سفينة
  - في وسط اليابسة؟!
و قلت لنفسي لا بد أنه فقد عقله, بعد أن طال عليه الزمن داعيا و في الهداية فاشلا. و عندما أخبر  الناس أن الله أمره بذلك استغربت, لماذا يأمر الله نوحا ببناء سفينة في وسط اليابسة؟!  و عندها بدا واضحا لي أن نوحا أصيب بالجنون بعد أن تخلى عنه إلهه و تركه إلى مصيره ليغدو أضحوكة أمام قومه.  لقد نجحت! هزمت النبي و أفقدته صوابه.
و لكن النبي المجنون تابع بناء فلكه غير آبه بسخريتنا منه, و كانت طَرقات مطرقته تهوي على رأسي قبل أن تلمس المسامير فتصيبني بالخوف, فأنظر إلى الجموع التي آمنت بي تهتف فتهدأ نفسي و أشعر ببرد الطمأنينة  في قلبي
  - لن نهزم أبدا...
تخلت عائلة نوح عنه, كفرت زوجته بدعوته و هجره ابنه, و  أصبح موقع السفينة مزارا للناس يأتونه للسمر و الضحك, و ازدهرت بضاعتي و قويت شوكتي حتى فكرت أن افتتح كشكا أبيع فيه اللبن البارد للزوار يشربونه و هم ينظرون إلى نوح مستهزئين.
و لكنني استشعرت الخطر عندما بدأ نوح بحمل زوجين من كل الحيوانات على باخرته العجيبة! ليلتها و بعد أن غادر الجميع و بقي نوح وحده تسللت عنده, و رأيته يصعد السفينة هو و الرهط المؤمن ثم يغلق الباب, ثم يرفع يديه للسماء و يدعو
  - رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا
اللعنة! و فجأة ضربتني في جبهتي  قطرة ماء سقطت بقوة فرفعت رأسي للسماء, إنها تمطر, أعطيت ظهري للسفينة و قفلت راجعا  و أنا  أحاول فهم ما يجري , و لكن حبل أفكاري انقطع بقشعريرة باردة اخترقت عظامي فاستيقظت من نوبة تفكيري لأجد الإجابة ماثلة أمامي
  - الطوفان
سوف يغرق الله الأرض بمن فيها إلا تلك الثلة التي اتبعت نوح, و لكن ليس بهذه السهولة, يجب أن أفعل شيئا, إن نوحا هو المفتاح, هو الذي دعا على قومه و هو الوحيد القادر على إيقاف غضب الرب المصبوب.  استدرجت ابنه حتى أصبح بمرأى منه, سوف يراه نوح و يرق قلبه فيدعو الله أن يوقف الطوفان, لكنه لم يفعل, بل دعاه للصعود إلى السفينة, فوسوست له
  - لا يا بني, هنالك جبل سيعصمك من الماء
و أجاب ابن نوح أباه بما قلت, و نظرت إلى وجهه الذي تجمدت قسماته للحظة, و سمعت صوت رفاقي و هم يستنجدون فصحت بهم
  - لا تخافوا يا قومي, فانا إبليس و لن أترككم  تغرقون
و لكن نوحا لم يفعل شيئا, إذ أشاح بوجهه عن ابنه بينما ارتفع الموج مبتلعا الشاب الصغير الذي علا صراخه و هو يغرق في الدوامة المرعبة.
انقشعت الغيوم و أشرقت الشمس و نظرت حولي فلم أجد أحدا , و كنت على وشك السقوط في دوامة من المشاعر السلبية عندما تمالكت نفسي, لا! انظر إلى الجانب الممتلئ من الكوب يا إبليس! لقد أغويتهم و خدعتهم و أرسلتهم إلى جهنم, و في النهاية هذا هو المهم و هذه هي غايتك, صحيح انك تشعر ببعض الأسى و لكن تذكر أن العمل عمل, و انه حتى لو فقدت إخوانك الكرام فما زال عندك أهم من في الكون: أنت! إبليس , القادر دائما على صنع الضلال من الهدى و الكافر من المؤمن و الجحيم من الجنة.
مشيت مستمتعا برائحة الأرض بعد المطر حتى وجدت نفسي على التلة التي قتلنا فوقها حسان, و في نفس البقعة التي سقطت فيها قطرة دمه الأولى نمت وردة جميلة ناصعة البياض, مددت يدي لانتزعها و لكن صوت حسان انفجر في وجهي فجأة فألقاني على الأرض , فتدحرجت و أنا أضع يدي على أذني, و لكن كلامه كان واضحا و مرعبا فأخذت أجري كالمجنون
  - لا يا إبليس, الله لا ينسى...!   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق