- إن
نوحا يبني سفينة
- في وسط اليابسة؟!
و قلت لنفسي لا بد أنه فقد عقله, بعد أن طال عليه الزمن داعيا و في
الهداية فاشلا. و عندما أخبر الناس أن
الله أمره بذلك استغربت, لماذا يأمر الله نوحا ببناء سفينة في وسط اليابسة؟! و عندها بدا واضحا لي أن نوحا أصيب بالجنون بعد
أن تخلى عنه إلهه و تركه إلى مصيره ليغدو أضحوكة أمام قومه. لقد نجحت! هزمت النبي و أفقدته صوابه.
و لكن النبي المجنون تابع بناء فلكه غير آبه بسخريتنا منه, و كانت طَرقات
مطرقته تهوي على رأسي قبل أن تلمس المسامير فتصيبني بالخوف, فأنظر إلى الجموع التي
آمنت بي تهتف فتهدأ نفسي و أشعر ببرد الطمأنينة في قلبي
- لن نهزم أبدا...
تخلت عائلة نوح عنه, كفرت زوجته بدعوته و هجره ابنه, و أصبح موقع السفينة مزارا للناس يأتونه للسمر و الضحك,
و ازدهرت بضاعتي و قويت شوكتي حتى فكرت أن افتتح كشكا أبيع فيه اللبن البارد
للزوار يشربونه و هم ينظرون إلى نوح مستهزئين.
و لكنني استشعرت الخطر عندما بدأ نوح بحمل زوجين من كل الحيوانات على
باخرته العجيبة! ليلتها و بعد أن غادر الجميع و بقي نوح وحده تسللت عنده, و رأيته
يصعد السفينة هو و الرهط المؤمن ثم يغلق الباب, ثم يرفع يديه للسماء و يدعو
- رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا
- رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا
اللعنة! و فجأة ضربتني في جبهتي
قطرة ماء سقطت بقوة فرفعت رأسي للسماء, إنها تمطر, أعطيت ظهري للسفينة و
قفلت راجعا و أنا أحاول فهم ما يجري , و لكن حبل أفكاري انقطع
بقشعريرة باردة اخترقت عظامي فاستيقظت من نوبة تفكيري لأجد الإجابة ماثلة أمامي
- الطوفان
سوف يغرق الله الأرض بمن فيها إلا تلك الثلة التي اتبعت نوح, و لكن
ليس بهذه السهولة, يجب أن أفعل شيئا, إن نوحا هو المفتاح, هو الذي دعا على قومه و
هو الوحيد القادر على إيقاف غضب الرب المصبوب.
استدرجت ابنه حتى أصبح بمرأى منه, سوف يراه نوح و يرق قلبه فيدعو الله أن
يوقف الطوفان, لكنه لم يفعل, بل دعاه للصعود إلى السفينة, فوسوست له
- لا يا بني, هنالك جبل
سيعصمك من الماء
و أجاب ابن نوح أباه بما قلت, و نظرت إلى وجهه الذي تجمدت قسماته
للحظة, و سمعت صوت رفاقي و هم يستنجدون فصحت بهم
- لا تخافوا يا قومي, فانا إبليس
و لن أترككم تغرقون
و لكن نوحا لم يفعل شيئا, إذ أشاح بوجهه عن ابنه بينما ارتفع الموج
مبتلعا الشاب الصغير الذي علا صراخه و هو يغرق في الدوامة المرعبة.
انقشعت الغيوم و أشرقت الشمس و نظرت حولي فلم أجد أحدا , و كنت على
وشك السقوط في دوامة من المشاعر السلبية عندما تمالكت نفسي, لا! انظر إلى الجانب
الممتلئ من الكوب يا إبليس! لقد أغويتهم و خدعتهم و أرسلتهم إلى جهنم, و في
النهاية هذا هو المهم و هذه هي غايتك, صحيح انك تشعر ببعض الأسى و لكن تذكر أن
العمل عمل, و انه حتى لو فقدت إخوانك الكرام فما زال عندك أهم من في الكون: أنت! إبليس
, القادر دائما على صنع الضلال من الهدى و الكافر من المؤمن و الجحيم من الجنة.
مشيت مستمتعا برائحة الأرض بعد المطر حتى وجدت نفسي على التلة التي
قتلنا فوقها حسان, و في نفس البقعة التي سقطت فيها قطرة دمه الأولى نمت وردة جميلة
ناصعة البياض, مددت يدي لانتزعها و لكن صوت حسان انفجر في وجهي فجأة فألقاني على
الأرض , فتدحرجت و أنا أضع يدي على أذني, و لكن كلامه كان واضحا و مرعبا فأخذت
أجري كالمجنون
- لا يا إبليس, الله لا
ينسى...!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق